موقف القانون الدولي من استهدف المنشآت القانونية

 موقف القانون الدولي من استهدف المنشآت القانونية

موقف القانون الدولي من استهداف المنشآت القانونية – حالة السودان نموذجا 

عصام شوربجي المحامي 

عشية التاسع من يناير ٢٠٢٥م هاجمت قوات الدعم السريع محطة مروي التحويلية الرئيسية التي تنطلق منها شبكات توزيع الكهرباء للولاية

الشمالية ولمناطق أخرى خارجها ثم أعقب ذلك بيومين هجوا آخر لمحطة تحويلية أخرى تقع في سد مروي (٢٧ ك م شمالي مروي) وقد احدث

القصف بالطيران المسير دمار وتخريب شبه كامل بالمحطتين ما أدخل المنطقة في ظلام كامل بصورة كلية وقد أثر ذلك بصورة مباشرة على حق

المواطن بالولاية الشمالية بالتمتع بخدمات المياه والكهرباء وقاد لشلل في العديد في الاعمال التجارية، وأعقب ذلك قصفا مماثلا بالطيران المسير

على محطة دنقلا التحويلية، ولكن التأثير الأكبر المتوقع سيقع على الزراعة التي تعتمد بصورة كبيرة على الكهرباء سيما وأن الولاية الشمالية

في السودان من الولايات التي يقوم اقتصادها على الزراعة وتسهم في رفد الاقتصاد القومي بمداخيل من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية كالقمح

ذلك مع الوضع في الاعتبار بأن الولاية الشمالية من الولايات النادرة التي لم يمتد إليها شريط الحرب سوى لثلاث أيام هي الفترة الممتدة بيم (-١٥

/١٨أبريل ٢٠٢٣م) حينما هاجمت قوات الدعم السريع مطار مروي وقامت بتدمير جانب منه بالرغم من أنه مطارا مدنيا أيضا قبل أن تتمكن

القوات المسلحة من تدمير ودحر القوة المعتدية وطردها خارج حدود الولاية الشمالية. هذا وقد ظلت الحرب بصفة عامة نزعة إنسانية تعاني منها

البشرية منذ بدء الخليقة ،لذلك سعت الأديان السماوية جميعا والفلسفات منذ أقدم العصور إلى إفراد القواعد وتقنين الشرائع واللوائح وإصدار

القوانين والأنظمة لتخفف من آثارها وتحد من غلوائها وبهذا المعنى فالحرب والإنسانية في تناقض دائم فالأولى نزاع وصراع ودمار وقتال أما

الثانية فهي رحمة وسلام ووئام وتعايش وهي بهذا المعنى من حيث جوهرها أي الحرب ضد الإنسانية وقيمها وضد الحياه واستمرارها وضد السلم

والاستقرار والتنمية ويقول ف ذلك المفكر النمساوي كلاوز فيتز في كتابه (الحرب) الذي استشهد به لينين أكثر من مرة معتبرا إياه أعمق كتاب

عن القضايا الإنسانية بأن (الحرب بوصفها ظاهرة اجتماعية ، فان لها العديد من الأسباب الاقتصادية والسياسية والعسكرية الفلسفية والتاريخية

والأخلاقية ،وهي استمرار للسياسة بوسائل أخرى أي بوسائل العنف) لذلك تعتبر الحرب مستنقعا للإجرام ولذلك السبب تصدى المجتمع الدولي

لوضع قواعد من شأنها وان كانت الحروب أمرا بشريا حتميا تلطيفها وفي هذا الصدد يعد ميثاق الأمم المتحدة ثمرة من ثمار التطور المعاصر

للقانون الدولي ،فقد جاء نتاج انحدار الفاشية في الحرب العالمية الثانية بل إنه بمضامينه واتجاهاته الرئيسية يعبر عن المحتوى الجديد للقانون

الدولي المعاصر حيث ينطلق من قاعدة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين الذي يعتبر هدفا ساميا من أهداف الأمم المتحدة ، ثم تتالت الإعلانات

والمواثيق ومن ضمنها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أقر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر ١٩٤٨م فقد نصت

المادة الثالثة من ذلك الإعلان التي تعتبر عادة حجر الزاوية فيه على أن ، لكل فرد الحق في الحياه والحرية وفي الأمان على شخصه. وهو حق

أساسي للتمتع بكل الحقوق الأخرى. وعودا على بدء فقد عرفت الاعيان المدنية في الفقرة الثانية من المادة ٥٢ من البرتوكول الإضافي الأول

لعام ١٩٧٧م بأنها ( كافة الاعيان التي ليست أهدافا عسكرية ،وأن الأهداف العسكرية هي التي تساهم مساهمة فعالة في الاعمال العسكرية حسب

طبيعتها وموقعها والغاية منها أو من استخدامها وهي كذلك الاعيان التي ينتج عن تدميرها الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها ميزة

عسكرية أكيدة وذلك يشمل كل من المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة والكباري والجسور والمزارع والمنشآت الهندسية

والمصانع وموارد مياه الشرب ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وبصفة عامة كل ما يهدف لخدمة الأغراض المدنية ، ويشكل الاعتداء على هذه

المنشآت خطرا شديد على السكان المدنيين) وقد جاء في المادة ٤٨ من ذات البرتوكول بأنه ( تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين

والمقاتلين وبين الاعيان المدنية والاهداف العسكرية ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها ، وذلك من أجل تأمين احترام

وحماية السكان المدنيين والاعيان المدنية) ولعله من المعلوم طبقا لنص المادة ٥٢ من البروتوكول الإضافي لاتفاقية جنيف جاء تعريف الهدف

العسكري بأنه الهدف الذي بطبيعته وبالنسبة لموقعه وغرضه أو استخدامه يساعد على العمل العسكري) . وقد اعتبر القانون الدولي الاعتداء

على الاعيان المدنية اعتداء مباشرا على المدنيين وقد نصت المادة ٢٥ من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام ١٩٠٧م

على الآتي ( يحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن غير المحمية أيا كانت الوسيلة المستعملة) جديرا بالذكر أن قوات الدعم السريع

التي تمردت على السلطة في البلاد عشية الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م قد عمدت إلى تدمير الاعيان المدنية بصورة ممنهجة عندما دخلت

ولاية الخرطوم والولايات الأحرى حيث دمرت على سبيل المثال محطة مياه بحري بصورة كاملة ودمرت كل الجامعات والمتاحف ودار الوثائق

السودانية ونهبت موجوداتها واتخذت من منازل المواطنين منطلقا للأعمال العسكرية وامتد تدميرها إلى محطة كهرباء الفاشر والشوك فقد

استهدفت الاعيان المدنية بصورة ممنهجة أينما حلت قواتها الأمر الذي يدعوني لاستصراخ المجتمع الدولي للتدخل لوقف هذه الاعمال فورا

ومحاسبة قوات الدعم السريع على تلك الأفعال بتقديم قادتها لفضاء القضاء الدولي باعتبار أن افعالها تشكل تجاوزا صارخا للقانون الودلى الإنساني

،فهده القوات وان تجاوزت افعالها القانون الدولي الا أنها ايضا فيما يبدوا أنها تخالف الأديان سيما الدين الإسلامي الذي يمنع الاعتداء على

المدنيين والاعيان المدنية فالمسلين معنيين مثل غيرهم ان لم يكل قبلهم بحقوق الانسان فقد وضع الإسلام قواعد صارمة للحرب وذلك لجعلها

(أكثر إنسانية) وأخف ألما ،خصوصا وانه لم يقر دخول الحرب الا كضرورة (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) وقد ظلت وصية الخليفة الراشدى

الأول أبو بكر رضي الله عنه على قائد جيشة أسامة بن زيد بمثابة قواعد أخلاقية والانسانية لضبط سلوك قيادة وقوات الجيش الإسلامي حيث

يقول ( لا تخوفوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا وتقتلوا طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولاتحرقوه ولا تقطعوا شجرة

مثمرة ولا تذبحوا شاة ولابقرة ولابعيرا إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا انفسهم من الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له) ، وفي

كتاب الامام الخليفة الراشدي الرابع على بن ابي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه إلى عامله مالك بن الاشتر في مصر قال مخاطبا (إياه لا

تكن عليهم (أي على الناس) سبعا ضاريا لتاكلهم فالناس صنفان اما أخ له في الدين أو نظيرا لك في الخلق ) وفي العهدة العمرية وهي وثيقة تعهد

سلمها الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب إلى البطريك صفرنيوس (بطريك القدس) بعد محاصرة ابوعبيدة بن الجراح القدس حتى دخلها عمر عام

١٥ هجرية – ٦٣٦م ) حين دعى إلى حماية المسيحيين وكنائسهم وأموالهم وممتكاتهم ، كما رفض أن يصلي في كنيسة القيامة عندما حان موعد

الصلاة لكي لا يعتبرها المسلمون مكانا يمكن الصلاة فيه ، وصلى في مقابلها في مكان بني عليه فيما بعد جامع سمى بجامع عمر وذلك دليلا على

التسامح والتعايش واحترام الأديان .

 افعال قوات الدعم السريع أخرجت هذه الحرب من بعدها الأخلاقي وجعلت منها حربا شاملة على المدنيين وليس ببعيد على ذلك نهب تلك القوات

لكل ممتلكات المدنيين ومساكنهم ونقل أثاث المنازل المركبات والشاحنات إلى مناطق سيطرتها بل تصدير بعضا بصورة غير مشروعه لدول الجوار

ولعلي إذ أكتب في هذا الجانب أوجه سهام النقد مباشرة لوزارة الخارجية التي يتيعين عليها دعوة السفراء الأجانب لمعاينة الاعيان المدنية التي

تستهدفها قوات الدعم السريع ورفد تلك السفارات بتقارير تفصيلية عن الأضرار المباشرة المترتبة عن الاستهداف المتكرر للاعيان المدنية ويمتد

الأمر لوزارة العدل التي يتعين عليها دعوة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان فورا لمعاينة ذات الاعيان المستهدفة وكتابة تقارير مفصلة

عن ذلك الضرب من الانتهاك كما يتعين عليها الدفع بدعاوى وشكاوى أمام الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من مواعين العدالة

الدولية المتاحة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال